فصل: قَوْله تَعَالَى: {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأحكام الشرعية الكبرى



.قَوْله تَعَالَى: {وأذان من الله وَرَسُوله}:

البُخَارِيّ: حَدثنِي إِسْحَاق، ثَنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا أبي، عَن صَالح، عَن ابْن شهَاب، أَن حميد بن عبد الرَّحْمَن أخبرهُ أَن أَبَا هُرَيْرَة أخبرهُ «أن أَبَا بكر بَعثه فِي الْحجَّة الَّتِي أمره رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا قبل حجَّة الْوَدَاع فِي رَهْط يُؤذنُونَ فِي النَّاس أَلا يَحُجن بعد الْعَام مُشْرك، وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان».
فَكَانَ حميد يَقُول: يَوْم النَّحْر يَوْم الْحَج الْأَكْبَر من أجل حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
البُخَارِيّ: حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف، ثَنَا اللَّيْث، حَدثنِي عقيل، قَالَ ابْن شهَاب: فَأَخْبرنِي حميد بن عبد الرَّحْمَن، أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: «بَعَثَنِي أَبُو بكر فِي تِلْكَ الْحجَّة فِي المؤذنين، بَعثهمْ يَوْم النَّحْر يُؤذنُونَ بمنى أَلا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك، وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان- قَالَ حميد-: ثمَّ أرْدف النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعلي، ثمَّ أمره أَن يُؤذن بِبَرَاءَة. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَأذن مَعنا عَليّ فِي أهل منى يَوْم النَّحْر بِبَرَاءَة وَأَن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك، وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان».
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا ابْن أبي عمر، ثَنَا سُفْيَان، عَن أبي إِسْحَاق، عَن زيد بْن يثيع قَالَ: «سَأَلنَا عليا بِأَيّ شَيْء بعثت فِي الْحجَّة قَالَ: بعثت بِأَرْبَع: أَلا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان، وَمن كَانَ بَينه وَبَين النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد فَهُوَ إِلَى مدَّته، وَمن لم يكن لَهُ عهد فَأَجله أَرْبَعَة أشهر، وَلَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا نفس مُؤمنَة، وَلَا يجْتَمع الْمُشْركُونَ والمسلمون بعد عَامهمْ هَذَا».
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن، وَهُوَ حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن أبي إِسْحَاق.
حَدثنَا نصر بن عَليّ وَغير وَاحِد قَالُوا: ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن زيد بن يثيع، عَن عَليّ نَحوه.

.قَوْله تَعَالَى: {ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار}:

التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا زِيَاد بن أَيُّوب الْبَغْدَادِيّ، ثَنَا عَفَّان بن مُسلم، ثَنَا همام، حَدثنَا ثَابت، عَن أنس أَن أَبَا بكر حدث قَالَ: «قلت للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنحن فِي الْغَار: لَو أَن أحدهم ينظر إِلَى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرنَا تَحت قَدَمَيْهِ. قَالَ: يَا أَبَا بكر، مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما».
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب، تفرد بِهِ همام.

.قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله من آمن بِاللَّه} الْآيَة:

التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو كريب، ثَنَا رشدين بن سعد، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن دراج، عَن أبي الْهَيْثَم، عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذا رَأَيْتُمْ الرجل يعْتَاد الْمَسْجِد فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَان. قَالَ الله عز وَجل: {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر}».
حَدثنَا ابْن أبي عمر، حَدثنَا عبد الله بن وهب، عَن عَمْرو بن الْحَارِث بِهَذَا الْإِسْنَاد نَحوه إِلَّا أَنه قَالَ: «يتَعَاهَد الْمَسْجِد».
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، وَأَبُو الْهَيْثَم اسْمه سُلَيْمَان بن عَمْرو العتواري، وَكَانَ يَتِيما فِي حجر أبي سعيد الْخُدْرِيّ.

.قَوْله تَعَالَى: {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج} الْآيَة:

مُسلم: حَدثنِي الْحسن الْحلْوانِي، ثَنَا أَبُو تَوْبَة، ثَنَا مُعَاوِيَة بن سَلام، عَن زيد بن سَلام، أَنه سمع أَبَا سَلام حَدثنِي النُّعْمَان بن بشير قَالَ: «كنت عِنْد مِنْبَر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رجل: مَا أُبَالِي أَلا أعمل عملا بعد الْإِسْلَام إِلَّا أَن أَسْقِي الْحَاج. وَقَالَ الآخر: مَا أُبَالِي أَلا أعمل عملا بعد الْإِسْلَام إِلَّا أَن أعمر الْمَسْجِد الْحَرَام. وَقَالَ الآخر: الْجِهَاد فِي سَبِيل الله أفضل مِمَّا قُلْتُمْ. فزجرهم عمر، وَقَالَ: لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم عِنْد مِنْبَر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة فَإِذا صليت الْجُمُعَة دخلت فاستفتيته فِيمَا اختلفتم فِيهِ. فَأنْزل الله تَعَالَى: {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج وَعمارَة الْمَسْجِد الْحَرَام كمن آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} الْآيَة إِلَى آخرهَا».

.قَوْله تَعَالَى: {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَاب من دون الله}:

التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن يزِيد الْكُوفِي، ثَنَا عبد السَّلَام بن حَرْب، عَن غُضَيْف بن أعين، عَن مُصعب بن سعد، عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: «أتيت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عنقِي صَلِيب من ذهب فَقَالَ: يَا عدي، اطرَح عَنْك هَذَا الوثن! وسمعته يقْرَأ فِي سُورَة بَرَاءَة: {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله} قَالَ: أما إِنَّهُم لم يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكنهُمْ كَانُوا إِذا أحلُّوا لَهُم شَيْئا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذا حرمُوا عَلَيْهِم شَيْئا حرمُوهُ».
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث عبد السَّلَام بن حَرْب، وغطيف بن أعين لَيْسَ بِمَعْرُوف فِي الحَدِيث.

.قَوْله تَعَالَى: {إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا}:

البُخَارِيّ: حَدثنِي عبد الله بن عبد الْوَهَّاب، ثَنَا حَمَّاد بن زيد، عَن أَيُّوب، عَن مُحَمَّد، عَن ابْن أبي بكرَة، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِن الزَّمَان اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض، السّنة اثْنَا عشر شهرا، مِنْهَا أَرْبَعَة حرم، ثَلَاث مُتَوَالِيَات: ذُو الْقعدَة، وَذُو الْحجَّة، وَالْمحرم، وَرَجَب مُضر الَّذِي بَين جُمَادَى وَشَعْبَان».

.قَوْله تَعَالَى: {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ}:

البُخَارِيّ: حَدثنَا بشر بن خَالِد أَبُو مُحَمَّد، ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، عَن شُعْبَة، عَن سُلَيْمَان، عَن أبي وَائِل، عَن أبي مَسْعُود قَالَ: «لما أمرنَا بِالصَّدَقَةِ كُنَّا نتحامل، فجَاء أَبُو عقيل بِنصْف صَاع وَجَاء إِنْسَان بِأَكْثَرَ مِنْهُ، فَقَالَ المُنَافِقُونَ: إِن الله لَغَنِيّ عَن صَدَقَة هَذَا، وَمَا فعل هَذَا الآخر إِلَّا رِيَاء فَنزلت: {الَّذِي يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات... وَالَّذين لَا يَجدونَ إلا جهدهمْ} الْآيَة».

.قَوْله تَعَالَى: {اسْتغْفر لَهُم} الْآيَة:

مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، ثَنَا أَبُو أُسَامَة، ثَنَا عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «لما توفّي عبد الله بن أبي جَاءَ ابْنه عبد الله بن عبد الله إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ أَن يُعْطِيهِ قَمِيصه يُكفن فِيهِ أَبَاهُ، فَأعْطَاهُ ثمَّ سَأَلَهُ أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقَامَ عمر فَأخذ بِثَوْب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، تصلي عَلَيْهِ وَقد نهاك الله أَن تصلي عَلَيْهِ؟! فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا خيرني الله، فَقَالَ: {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة} وسأزيد على السّبْعين. فَقَالَ: إِنَّه مُنَافِق. قَالَ: فصلى عَلَيْهِ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَأنْزل الله عز وَجل: {وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره}».
حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى وَعبيد الله بن سعيد قَالَا: ثَنَا يحيى- وَهُوَ الْقطَّان- عَن عبيد الله بِهَذَا الْإِسْنَاد نَحوه، وَزَاد، قَالَ: «فَترك الصَّلَاة عَلَيْهِم».
البُخَارِيّ: حَدثنَا يحيى بن بكير، ثَنَا اللَّيْث، عَن عقيل. وَقَالَ غَيره: حَدثنِي اللَّيْث، حَدثنِي عقيل، عَن ابْن شهَاب، أَخْبرنِي عبيد الله بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ: «لما مَاتَ عبد الله بن أبي بن سلول دعِي لَهُ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُصَلِّي عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَامَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبت إِلَيْهِ. فَقلت: يَا رَسُول الله، أَتُصَلِّي على ابْن أبي وَقد قَالَ يَوْم كَذَا كَذَا وَكَذَا؟ أعد عَلَيْهِ قَوْله. قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: أخر عني يَا عمر. فَلَمَّا أكثرت عَلَيْهِ قَالَ: إِنِّي خيرت فاخترت إِن أعلم أَنِّي إِن زِدْت على السّبْعين فغفر لَهُ لزدت عَلَيْهَا. قَالَ: فصلى عَلَيْهِ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمَّ انْصَرف فَلم يمْكث يَسِيرا حَتَّى نزلت الْآيَتَانِ من بَرَاءَة: {وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا} إِلَى: {وهم فَاسِقُونَ} قَالَ عمر: فعجبت بعد من جرأتي على النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالله وَرَسُوله أعلم».
زَاد التِّرْمِذِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: «وَمَشى مَعَه فَقَامَ على قَبره حَتَّى فرغ مِنْهُ» وَرَوَاهُ عَن عبد بن حميد، عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد، عَن أَبِيه، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن الزُّهْرِيّ، بِهَذَا الْإِسْنَاد.

.قَوْله تَعَالَى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ}:

البُخَارِيّ: حَدثنِي مُؤَمل ثَنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا عَوْف، ثَنَا أَبُو رَجَاء، ثَنَا سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنا: «أَتَانِي اللَّيْلَة آتيان فابتعثاني فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَة مَبْنِيَّة بِلَبن ذهب وَلبن فضَّة، فتلقانا رجال شطر من خلقهمْ كأحسن مَا أَنْت رائي وَشطر كأقبح من أَنْت رائي. قَالَا لَهُم: اذْهَبُوا فقعوا فِي ذَلِك النَّهر. فوقعوا فِيهِ ثمَّ رجعُوا إِلَيْنَا قد ذهب ذَلِك السوء عَنْهُم فصاروا فِي أحسن صُورَة. قَالَا لي: هَذِه جنَّة عدن، وَهَذَا مَنْزِلك. قَالَا: أما الْقَوْم الَّذين كَانُوا شطر مِنْهُم حسن وَشطر مِنْهُم قَبِيح فَإِنَّهُم خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا تجَاوز الله عَنْهُم».

.قَوْله تَعَالَى: {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين}:

البُخَارِيّ: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، أخبرنَا عبد الرَّزَّاق، ثَنَا معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أَبِيه قَالَ: «لما حضرت أَبَا طَالب الْوَفَاة، دخل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْده أَبُو جهل وَعبد الله بن أبي أُميَّة فَقَالَ النَّبِي: أَي عَم، قل لَا إِلَه إِلَّا الله أُحَاج لَك بهَا عِنْد الله. فَقَالَ أَبُو جهل وَعبد الله بن أبي أُميَّة: يَا أَبَا طَالب، ترغب عَن مِلَّة عبد الْمطلب؟ فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأَسْتَغْفِرَن لَك مَا لم أَنه عَنْك. فَنزلت: {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} الْآيَة».
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان، ثَنَا وَكِيع، حَدثنَا سُفْيَان، عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي الْخَلِيل الْكُوفِي، عَن عَليّ قَالَ: «سَمِعت رجلا يسْتَغْفر لِأَبَوَيْهِ وهما مُشْرِكَانِ. فَقلت لَهُ: أَتَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْك وهما مُشْرِكَانِ؟! فَقَالَ: أَو لَيْسَ اسْتغْفر إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرك؟ فَذكرت ذَلِك للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنزلت: {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين}».
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن، وَفِي الْبَاب عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أَبِيه.

.قَوْله تَعَالَى: {لقد تَابَ الله على النَّبِي والمهاجرين وَالْأَنْصَار} إِلَى قَوْله: {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذِي خلفوا حَتَّى إِذا ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ}:

مُسلم: حَدثنِي أَبُو الطَّاهِر أَحْمد بن عَمْرو بن سرح مولى بني أُميَّة، أَخْبرنِي ابْن وهب، أَخْبرنِي يُونُس، عَن ابْن شهَاب قَالَ: «ثمَّ غزا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَة تَبُوك، وَهُوَ يُرِيد الرّوم ونصارى الْعَرَب بِالشَّام».
قَالَ ابْن شهَاب: فَأَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك أَن عبد الله بن كَعْب- وَكَانَ قَائِد كَعْب من بنيه حِين عمي- قَالَ: سَمِعت كَعْب بن مَالك يحدث حَدِيثه حِين تخلف عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك. قَالَ كَعْب بْن مَالك: «لم أَتَخَلَّف عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة غَزَاهَا قطّ إِلَّا غَزْوَة تَبُوك، غير أَنِّي قد تخلفت فِي غَزْوَة بدر، وَلم يُعَاتب أحدا تخلف عَنهُ، إِنَّمَا خرج رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون يُرِيدُونَ عير قُرَيْش، حَتَّى جمع الله بَينهم وَبَين عدوهم على غير ميعاد، وَلَقَد شهِدت مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْعقبَة حِين تواثقنا على الْإِسْلَام وَمَا أحب أَن لي بهَا مشْهد بدر وَإِن كَانَت بدر أذكر فِي النَّاس مِنْهَا. وَكَانَ من خبري حَيّ تخلفت عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك أَنِّي لم أكن قطّ أقوى وَلَا أيسر مني حِين تخلفت عَنهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَة. وَالله مَا جمعت قبلهَا راحلتين قطّ حَتَّى جمعتهما فِي تِلْكَ الْغَزْوَة، فَغَزَاهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حر شَدِيد واستقبل سفرا بَعيدا وَمَفَازًا، واستقبل عدوا كَبِيرا، فَجلى الْمُسلمين أَمرهم لِيَتَأَهَّبُوا أهبة عدوهم فَأخْبرهُم بوجههم الَّذِي يُرِيد والمسلمون مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثير، وَلَا يجمعهُمْ كتاب حَافظ- يُرِيد بذلك الدِّيوَان- قَالَ كَعْب: فَقل رجل يُرِيد أَن يتغيب يظنّ أَن ذَلِك سيخفى لَهُ مَا لم ينزل فِيهِ وَحي من الله عز وَجل وغزا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْغَزْوَة حِين طابت الثِّمَار والظلال، فَأَنا إِلَيْهَا أصعر، فتجهز رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون مَعَه، وطفقت أغدو لكَي أتجهز مَعَهم فأرجع وَلم أقض شَيْئا فَأَقُول فِي نَفسِي: أَنا قَادر على ذَلِك إِذا أردْت، فَلم يزل ذَلِك يتمادى بِي حَتَّى اسْتمرّ بِالنَّاسِ الْجد، فَأصْبح رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غاديا والمسلمون مَعَه وَلم أقض من جهازي شَيْئا، ثمَّ غَدَوْت فَرَجَعت وَلم أقض شَيْئا، فَلم يزل ذَلِك يتمادى بِي حَتَّى أَسْرعُوا وتفارط الْغَزْو، فهممت أَن أرتحل فأدركهم فياليتني فعلت، ثمَّ لم يقدر ذَلِك لي، فطفقت إِذا خرجت فِي النَّاس بعد خُرُوج رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحزنني أَنِّي لَا أرى لي أُسْوَة إِلَّا رجلا مغموصا عَلَيْهِ فِي النِّفَاق أَو رجلا مِمَّن عذر الله من الضُّعَفَاء، وَلم يذكرنِي رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بلغ تَبُوك فَقَالَ وَهُوَ جَالس فِي الْقَوْم بتبوك: مَا فعل كَعْب بن مَالك؟ قَالَ رجل: من بني سَلمَة: يَا رَسُول الله، حَبسه برْدَاهُ وَالنَّظَر فِي عطفيه. فَقَالَ لَهُ معَاذ بن جبل: بئس مَا قلت، وَالله يَا رَسُول الله مَا علمنَا عَلَيْهِ إِلَّا خيرا. فَسكت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبينا هُوَ على ذَلِك رأى رجلا مبيضا يَزُول بِهِ السراب، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كن أَبَا خَيْثَمَة. فَإِذا أَبُو خَيْثَمَة الْأنْصَارِيّ، وَهُوَ الَّذِي تصدق بِصَاع التَّمْر حِين لمزه المُنَافِقُونَ. قَالَ كَعْب بن مَالك: فَلَمَّا بَلغنِي أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد توجه قَافِلًا من تَبُوك حضرني بثي، فطفقت أَتَذكر الْكَذِب، فَأَقُول بِمَ أخرج من سخطته غَدا؟ وأستعين على ذَلِك كل ذِي رَأْي من أَهلِي، فَلَمَّا قيل: إِن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أظل قادما زاح عني الْبَاطِل حَتَّى عرفت أَنِّي لن أنجو مِنْهُ بِشَيْء أبدا، فأجمعت صدقه، وَأصْبح رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قادما وَكَانَ إِذا قدم من سفر بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ جلس للنَّاس، فَلَمَّا فعل ذَلِك جَاءَهُ الْمُخَلفُونَ فطفقوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ ويحلفون لَهُ، وَكَانُوا بضعَة وثَمَانِينَ رجلا، فَقبل مِنْهُم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علانيتهم، وبايعهم، واستغفر لَهُم، ووكل سرائرهم إِلَى الله تَعَالَى حَتَّى جِئْت، فَلَمَّا سلمت تَبَسم تَبَسم الْمُغْضب، ثمَّ قَالَ: تعال. فَجئْت أَمْشِي، حَتَّى جَلَست بَين يَدَيْهِ، فَقَالَ لي: مَا خَلفك، ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي وَالله لَو جَلَست عِنْد غَيْرك من أهل الدُّنْيَا لرأيت أَنِّي سأخرج من سخطه بِعُذْر، لقد أَعْطَيْت جدلا، وَلَكِنِّي وَالله لقد علمت لَئِن حدثتك الْيَوْم بِحَدِيث كذب ترْضى بِهِ عني ليوشكن الله أَن يسخطك عَليّ، وَلَئِن حدثتك حَدِيث صدق تَجِد عَليّ فِيهِ إِنِّي لأرجو فِيهِ عُقبى الله، وَالله مَا كَانَ لي عذر، وَالله مَا كنت قطّ أقوى وَلَا أيسر مني حِين تخلفت عَنْك. قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما هَذَا فقد صدق فَقُمْ حَتَّى يقْضِي الله فِيك. فَقُمْت وثار رجال من بني سَلمَة فَاتبعُوني فَقَالُوا لي: وَالله مَا علمناك أذنبت ذَنبا قبل هَذَا، لقد عجزت فِي أَن لَا تكون اعتذرت إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا اعتذر إِلَيْهِ الْمُخَلفُونَ، فقد كَانَ كافيك ذَنْبك اسْتِغْفَار رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَك. قَالَ: فوَاللَّه مَا زَالُوا يؤنبوني حَتَّى أردْت أَن أرجع إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأكذب نَفسِي. قَالَ: ثمَّ قلت لَهُم: هَل لَقِي هَذَا معي من أحد؟ قَالُوا: نعم، لقِيه مَعَك رجلَانِ، قَالَا مثل مَا قلت فَقيل لَهما مثل مَا قيل لَك. قَالَ: قلت: من هما؟ قَالُوا: مرَارَة بن ربيعَة العامري، وهلال بن أُميَّة الوَاقِفِي. قَالَ: فَذكرُوا لي رجلَيْنِ صالحين قد شَهدا بَدْرًا فيهمَا أُسْوَة. قَالَ: فمضيت حِين ذكروهما لي قَالَ: فَنهى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسلمين عَن كلامنا أَيهَا الثَّلَاثَة من بَين من تخلف عَنهُ. قَالَ: فَاجْتَنَبَنَا النَّاس. قَالَ: وتغيروا لنا حَتَّى تنكرت لي فِي نَفسِي الأَرْض، فَمَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أعرف، فلبثنا على ذَلِك خمسين لَيْلَة، فَأَما صَاحِبَايَ فاستكانا وقعدا فِي بيوتهما، وَأما أَنا فَكنت أثبت الْقَوْم وأجلدهم، فَكنت أخرج فَأشْهد الصَّلَاة، وأطوف فِي الْأَسْوَاق، وَلَا يكلمني أحد، وَآتِي رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأسلم عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسه بعد الصَّلَاة، فَأَقُول فِي نَفسِي هَل حرك شَفَتَيْه برد السَّلَام أم لَا، ثمَّ أُصَلِّي قَرِيبا مِنْهُ وأسارقه النّظر، فَإِذا أَقبلت على صَلَاتي نظر إِلَيّ وَإِذا الْتفت نَحوه أعرض عني، حَتَّى إِذا طَال عَليّ ذَلِك من جفوة الْمُسلمين مشيت حَتَّى تسورت جِدَار حَائِط أبي قَتَادَة، وَهُوَ ابْن عمي وَأحب النَّاس إِلَيّ فَسلمت عَلَيْهِ، فوَاللَّه مَا رد عَليّ السَّلَام، فَقلت لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَة أنْشدك بِاللَّه، هَل تعلمني أحب الله وَرَسُوله؟ قَالَ: فَسكت. قَالَ: فعدت فَأَنْشَدته الله فَسكت، فعدت فَأَنْشَدته فَقَالَ: الله وَرَسُوله أعلم. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، وتوليت حَتَّى تسورت الْجِدَار، فَبينا أَنا أَمْشِي فِي سوق الْمَدِينَة إِذْ نبطي من نبط أهل الشَّام مِمَّن قدم بِالطَّعَامِ يَبِيعهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُول: من يدل على كَعْب بن مَالك؟ قَالَ: فَطَفِقَ النَّاس يشيرون إِلَيْهِ حَتَّى جَاءَنِي فَدفع إِلَيّ كتابا من ملك غَسَّان وَكنت كَاتبا فَقَرَأته فَإِذا فِيهِ: أما بعد فَإِنَّهُ بلغنَا أَن صَاحبك قد جفاك، وَلم يجعلك الله بدار هوان وَلَا مضيعة، فَالْحق بِنَا نواسك. قَالَ: فَقلت حِين قرأتها: وَهَذِه أَيْضا من الْبلَاء فتياممت بهَا التَّنور فسجرتها بِهِ، حَتَّى إِذا مَضَت أَرْبَعُونَ لَيْلَة من الْخمسين فاستلبث الْوَحْي إِذا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتيني فَقَالَ: رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرك أَن تَعْتَزِل امْرَأَتك. قَالَ: فَقلت: أطلقها أم مَاذَا؟ قَالَ: لَا بل اعتزلها فَلَا تقربنها. قَالَ: فَأرْسل إِلَى صَاحِبي بِمثل ذَلِك. قَالَ: فَقلت لأهلي: الحقي بأهلك فكوني عِنْدهم حَتَّى يقْضِي الله فِي هَذَا الْأَمر. قَالَ: فَجَاءَت امْرَأَة هِلَال بن أُميَّة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِن هِلَال بن أُميَّة شيخ ضائع لَيْسَ لَهُ خَادِم، فَهَل تكره أَن أخدمه؟ قَالَ: لَا وَلَكِن لَا يقربنك. قَالَت: وَالله مَا بِهِ حَرَكَة إِلَى شَيْء، وَوَاللَّه مَا زَالَ يبكي مُنْذُ كَانَ من أمره مَا كَانَ إِلَى يَوْمه هَذَا. قَالَ: فَقَالَ لي بعض أَهلِي: لَو اسْتَأْذَنت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَتك، فقد أذن لامْرَأَة هِلَال بن أُميَّة أَن تخدمه. قَالَ: فَقلت: لَا اسْتَأْذن فِيهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يدريني مَاذَا يَقُول رَسُول الله إِذا استأذنته فِيهَا، فَأَنا رجل شَاب. قَالَ: فَلَبثت بذلك عشر لَيَال فكمل لنا خَمْسُونَ لَيْلَة من حِين نهى عَن كلامنا. قَالَ: فَصليت صَلَاة الْفجْر صباح خمسين لَيْلَة على ظهر بَيت من بُيُوتنَا، فَبينا أَنا على الْحَال الَّتِي ذكر الله ضَاقَتْ عَليّ نَفسِي وَضَاقَتْ عَليّ الأَرْض بِمَا رَحبَتْ، سَمِعت صَوت صارخ أوفى على سلع يَقُول بِأَعْلَى صَوته: يَا كَعْب بن مَالك، أبشر. قَالَ: فَخَرَرْت سَاجِدا، وَعرفت أَن قد جَاءَ فرج، فآذن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس بتوبة الله علينا حِين صلى صَلَاة الْفجْر فَذهب النَّاس يبشروننا، فَذهب قبل صَاحِبي مبشرون، وركض رجل إِلَيّ فرسا، وسعى ساع من أسلم قبلي، وأوفى الْجَبَل، فَكَانَ الصَّوْت أسْرع من الْفرس، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعت صَوته يبشرني نزعت لَهُ ثوبي فكسوتهما إِيَّاه ببشارته، وَالله مَا أملك غَيرهمَا يَوْمئِذٍ، واستعرت ثَوْبَيْنِ فلبستهما فَانْطَلَقت أتأمم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلقاني النَّاس فوجا فوجا يهنئوني، وَيَقُولُونَ: لتهئنك تَوْبَة الله عَلَيْك، حَتَّى دخلت الْمَسْجِد فَإِذا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالس فِي الْمَسْجِد، وَحَوله النَّاس، فَقَامَ طَلْحَة بن عبيد الله يُهَرْوِل حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنأَنِي، وَالله مَا قَامَ رجل من الْمُهَاجِرين غَيره. قَالَ: فَكَانَ كَعْب لَا ينساها لطلْحَة. قَالَ كَعْب: فَلَمَّا سلمت على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ وَهُوَ يَبْرق وَجهه من السرُور وَيَقُول: أبشر بِخَير يَوْم مر عَلَيْك مُنْذُ وَلدتك أمك. قَالَ: فَقلت: أَمن عنْدك يَا رَسُول الله أم من عِنْد الله؟ فَقَالَ: لَا بل من عِنْد الله. وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا سر استنار وَجهه حَتَّى كَأَن وَجهه قِطْعَة قمر. قَالَ: وَكُنَّا نَعْرِف ذَلِك. فَلَمَّا جَلَست بَين يَدَيْهِ قلت: يَا رَسُول الله، إِن من تَوْبَتِي أَن أَنْخَلِع من مَالِي صَدَقَة إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمسك عَلَيْك بعض مَالك فَهُوَ خير لَك. قَالَ: فَقلت: فَإِنِّي أمسك سهمي الَّذِي بِخَيْبَر. قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، إِن الله إِنَّمَا أنجاني بِالصّدقِ، وَإِن من تَوْبَتِي أَلا أحدث إِلَّا صدقا مَا بقيت. قَالَ: فوَاللَّه مَا علمت أَن أحدا من الْمُسلمين أبلاه الله فِي صدق الحَدِيث مُنْذُ ذكرت ذَلِك لرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن مِمَّا أبلاني، وَالله مَا تَعَمّدت كذبة مُنْذُ قلت ذَلِك لرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يومي هَذَا، وَإِنِّي لأرجو أَن يحفظني الله فِيمَا بَقِي. قَالَ: فَأنْزل الله عز وَجل: {لقد تَابَ الله على النَّبِي والمهاجرين وَالْأَنْصَار الَّذين اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة} حَتَّى: {إِنَّه بهم رءوف رَحِيم وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا حَتَّى إِذا ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِم أنفسهم} حَتَّى بلغ: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين}. قَالَ كَعْب: وَالله مَا أنعم الله عَليّ من نعْمَة قطّ بعد إِذْ هَدَانِي الله لِلْإِسْلَامِ أعظم فِي نَفسِي من صدق رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلا أكون كَذبته فَأهْلك كَمَا هلك الَّذين كذبُوا، إِن الله قَالَ للَّذين كذبُوا حِين أنزل الْوَحْي شَرّ مَا قَالَ لأحد قَالَ: {سيحلفون بِاللَّه لكم إِذا انقلبتم إِلَيْهِم لتعرضوا عَنْهُم فأعرضوا عَنْهُم إِنَّهُم رِجْس ومأواهم جَهَنَّم جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يحلفُونَ لكم لترضوا عَنْهُم فَإِن ترضوا عَنْهُم فَإِن الله لَا يرضى عَن الْقَوْم الْفَاسِقين} قَالَ كَعْب: كُنَّا خلفنا أَيهَا الثَّلَاثَة عَن أَمر أُولَئِكَ الَّذين قبل مِنْهُم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين حلفوا لَهُ فبايعهم واستغفر لَهُم، وأرجأ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنَا حَتَّى قضى الله فِيهِ بذلك، قَالَ الله عز وَجل: {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} وَلَيْسَ الَّذِي ذكر الله مِمَّا خلفنا تخلفنا عَن الْغَزْو، وَإِنَّمَا تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنَا عَمَّن حلف لَهُ وَاعْتذر إِلَيْهِ فَقبل مِنْهُ».
زَاد البُخَارِيّ فِي هَذَا الحَدِيث من قيل كَعْب من قصَّته: «وَمَا من شَيْء أهم إِلَيّ من أَن أَمُوت فَلَا يُصَلِّي عَليّ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَو يَمُوت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكُون من النَّاس بِتِلْكَ الْمنزلَة فَلَا يكلمني أحد مِنْهُم، وَلَا يُصَلِّي عَليّ، فَأنْزل الله عز وَجل تَوْبَتنَا على نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين بَقِي الثُّلُث الآخر من اللَّيْل وَرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد أم سَلمَة، وَكَانَت أم سَلمَة محسنة فِي شأني معنية فِي أَمْرِي، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أم سَلمَة، تيب على كَعْب بن مَالك. قَالَت: أَفلا أرسل إِلَيْهِ فأبشره؟ قَالَ: إِذا يحطمكم النَّاس فيمنعونكم النّوم سَائِر اللَّيْل، حَتَّى إِذا صلى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاة الْفجْر آذن بتوبة الله علينا».
رَوَاهُ عَن مُحَمَّد، عَن أَحْمد بن أبي شُعَيْب، عَن مُوسَى بن أعين، عَن إِسْحَاق بن رَاشد، عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك، عَن أَبِيه قَالَ: سَمِعت كَعْب بن مَالك.
وَحَدِيث مُسلم أوعب وَأتم من حَدِيث البُخَارِيّ هَذَا.